لقد أستعمرنا كما هو معروف في وقت لم أكن موجودا فيه، و لكن حسب ما حكي لي و عشته عندما كبرت، كان المستعمر قد فرض علينا ضريبة كانت تسمى إذاك ضريبة الأذن، تفرض على الإنسان و الغنم و على كل شيء، بالإضافة لنزع الأراضي من أصحابها، ولكن الأجيال التي جاءت بعد الإستقلال، لم تعش ما عشناه ولم تعرف مرارة الاستعماركماعرفناه. لقد ولدت عام 1934 و في عام 1948 أديت اليمين في الحزب على يد عمي السيد الناصري عبد القادر بن عمر بن علي الذي كان إذاك كاتب فرع الحزب في تافوغالت، أديته أنا و أخي الناصري أحميدان، كانت الجماعة موجودة و إنخرطنا فيها، وكنا نحضر فيها للإستماع إلى النشرة التي كانت تقرأ علينا، و تعطانا تعليمات عما يجب علينا القيام به للكفاح ضد الإستعمار، و شاركنا في توعية المواطنين و تحريضهم ضد الوجود الإستعماري فــي بلادنا، و كنا نطلب منهم الانخراط في الحزب ووضع اليد في اليد للقضاء على وجود الاجانب المستعمرين و لما أقدم الإستعمار الفرنسي على إغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد يوم 5 دجنبر عام 1952 أمرنا الحزب بإرسال برقيات الإحتجاج و القيام بمظاهرات ووجهت بالإعتقالات ووضع العديد منا في السجون، ورغم ذلك لم يوقف الحزب نشاطه، بل بالعكس استمر في نشاطه العادي، حيث شنت سلطات الناحية حملة من الإعتقالات طالت عددا من الحزبيين أمثال السيد الناصري عبد القادر كاتب الفرع، و السيد الماحي، و السيد الحسين البويعلاوي و السيد عبد القادر بومديين الموسوي الذين نفوا إلى حاسي العريشة و إلى بركان، كما طال الإعتقال عددا من الوطنيين بوجدة و أخذو إلى " العقرب" ما بين تاوريرت و جرسيف، كما شمل هذا الإعتقال كثيرا من نشطاء الحركة الوطنية في مختلف مناطق المغرب. كل هذا في نطاق خطة رسمها الإستعمار لإضعاف الحزب، تمهيدا لتنفيد المؤامرة الرامية الى نفي ملك البلاد محمد الخامس و أسرته. ولكن هيهات هيهات فما وقع هوالعكس، اذ رغم غياب قيادة الحزب و زعمائه فإن الإقبال على الانخراط في صفوف الحـركة الوطنية ازداد و تضاعف في كل أنحاء البلاد وفي 16 غشت سنة 1953 قامت مظاهرة دامية في مدينة وجدة، ذهب ضحيتها عدد من الموتى و الجرحى سواء من المواطنين أو المعمرين، كما نجم عنها إعتقال كثير من الوطنيين المتظاهرين أما أنا فقد كنت حينذاك أعيش في قرية تافوغالت، لهذا سأحكي لكم ما جرى في تافوغالت و بركان وبالأخص في تافوغالت التي كنت أعيش فيها، لقد طلب منا فرع الحزب في بركان عقد اجتماعات خاصة بكتاب جماعات الحزب و أمنائها، و القيام بحملة واسعة النطاق من الإتصالات بأفراد الحزب المنتشرين في نواحي تافوغالت قصد تعبئتهم للحضور إلى تافوغالت يوم 17غشت، وهذا ما وقع بالفعل، فقد توزع مسؤولوا فرع الحزب على القبائل الخاضعة لنفود حاكم هذه القرية يحثونها على النزول إليها للمشاركة في المظاهرة التي قرر الحزب القيام بها يوم 17 غشت، و هكذا فما إن حل صباح هذا اليوم حتى طوقت تافوغالت بالقبائل المجاورة لها، و كان المشاركون في هذه المظاهرة مسلحين بالعصي و البنادق و الخناجر... و قد اكتفوا بالهتاف بحياة الملك و الوطن وسقوط فرنسا، و زغاريد النساء في جو من الحماس منقطع النظير و أمام هذا الحشد من المتظاهرين لم يجد المراقب سبيلا لتهدئة الوضع إلا أن يتقدم للمتظاهرين بنفسه ليستفسرهم عما يريدونه ولما أخبروه بأنهم يقومون بهذه المظاهرة للإحتجاج على التآمر ضد العرش و للمطالبة بالإستقلال، كما أخبروه ايضا بأنهم مصممون العزم على التشبت بمطلبهم و لو إقتضى الأمر فناؤهم عن آخرهم. و أمام هذا الإصرار طلب منهم إعطاءه مهلة ثلاثة أيام للإتصال برؤسائه و إبلاغهم هذه المطالب، فقبل المتظاهرون هذا الرجاء و تفرقوا و عادوا إلى ديارهم في إنتظار ما سيقوم به الحاكم، و بعد إنقضاء المهلة عاد الناس إلى التجمع في مكان إسمه "تبرانين" و تم الإتفاق على إيفاد من يتصل بفرع الحزب في بركان لإخباره بإن سكان تافوغالت و نواحيها سيستأنفون التظاهر إذا لم يف المراقب بوعده. و بينما هم كذلك فوجئوا بما لم يكن ينتظرونه، حيث طوقت الناحية بفرق عسكرية، مدعمة بالمصفحات و مدججة بالمدافع و الرشاشات، و التي لم تكتف بعملية التطويق، بل شنت حملة مسعورة من التفتيش و إخراج الناس من مساكنهم و حـــقولهم و حــشدهم فــي أماكن مكشوفة. و أمــام هذه الحمـــلة الهمجية لم يجـد المتظاهرون بدا من التفرق حتى لا يستفحل الأمر و يستغلها الجيش الفرنسي للقيام بمجزرة يذهب ضحيتها سكان هذه القرية، ورغم ذلك لم يتورع افراد الجيش الإستعماري من القيام بإجراءات وحشية، كإهانة النساء و التنكيل بالرجال و الأطفال، و نهب كل ما تقع عليه أعينهم من أمتعة مهما صغر شأنها. و قد شمل ذلك الأغنام و الأبقار و الدجاج. و ما إن تفرق الناس حتى شنت السلطة حملة من الإعتقالات طالت المسؤولين في الحزب كالكتاب و الأمناء، و قد تم إستنطاقهم من طرف لجنة بوليسية وفدت من مدينة وجدة، و قد تركز الإستنطاق على كشف لوائح نشطاء الحزب بهذه الناحية، و التي إعترف الجميع أنها موجودة عند كاتب الفرع،الناصري عبدالقادر الذي كان محتجزا في حاسي"العريشة وفي نطاق البحث عن هذه اللوائح هجم البوليس على منزلنا للتفتيش عنها، إلا أنهم أخبروا بعدم العلم بها لأن المعني بها موجود في السجن منذ عام. أما أنا فقد كنت غائبا عن المنزل في هذه اللحظة، و مع ذلك تم إستدعائي إلى مركزالامن بتافوغالت، حيث سئلت عن اللوائح التي كان عمي يحتفظ بها في المنزل، فأجبت بأني لا أعرف شيئا عما جرى، فأنا أنشغل بالفلاحة و الرعي، و لا أهتم بأي شيء آخر، و أمام إنكاري ساقوني إلى الثكنة العسكرية و رموني في حجرة ليس بها لا ماء و لا نور و لافراش، و كانت مكتظة بمجموعة من المحتجزين. كنا ننام بهذه الحجرة ليلا، أما في النهار فنساق إلى الجبال لنقل الأحجار نكاية بنا و عقابا لنا على إنتمائنا إلى الحزب، وبقينا على هذه الحالة مدة 18 يوما أحلنا على محكمة مكونة من الحاكم و القائد والخليفة والشيوخ والمقدمين، و بعد مداولة شكلية صدرت في حقنا أحكام تراوحت بين ثلاثة أشهر وعامين و نصف و بعد الحكم نقل كل من حكم عليهم بستة أشهر فما فوق إلى السجون الفلاحية كالعاذر و عين مؤمن، أما من حكم عليهم دون ذلك فقد أودعوا في منطقة تسمى "الزريبة" و كنت من بين هؤلاء و قد قضينا هذه المدة في الورشة التي كانت تقوم بإصلاح الطرق الرابطة بين تافوغالت و القبائل المجاورة لها، و خلال هذه المدة أيضا كنا نبيت في بيوت رجال القوات المساعدة الذين كانوا يتولون حراستنا، كما كانت مفروضة عليهم من لدن المراقب رغم شظف العيش الذي .كانوا يعانون من قساوته و لما إنتهت مدة حبسي عدت إلى قريتي و السلطة لم تكتف بما واجهت به المتظاهرين من قمع و نفي و تشريد، بل عينت في كل قبيلة أشخاصا مــــن عملائها للسهر على مراقبة حركات السكان، كما فرضت على كل من يريد التنقل من قبيلة إلى أخرى الحصول على رخص من الشيوخ أو المقدمين، وعند حلوله إلى إحدى القبائل ينبغي إشعار شيخها أو مقدمها بذلك، و لم تكتف السلطة الإستعمارية بهذه المضايقة، بل كثفت من وجود الحراس في جميع جميع الماسلك الحساسة في المنطقة، وكان الأشخاص غير المنتمين لهذه المنطقة يحتجزون و لا يطلق سراحهم إلا بعد بحث دقيق مضن. و هكذا صارت المنطقة تعيش حالة حصار، و قد جندت من إجل ذلك فرق من مختلف الجيوش و فيهم المشاة والخيالة، و الممتطون على الدبابات و المصفحات و المجنزرات مما حول منطقة بني زناسن إلى سجن كبير يصعب التحرك داخله دون مضايقة، و أذكر في هذا الصدد أن الذي ساعدنا على التنقل من مكان لآخر، هو أننا كنا نتعاطى تهريب السلع مما مكننا من معرفة مسالك المنطقة ومعابرها فبمجرد إطلاق سراحنا، بدأنا نتصل بمن بقي من الوطنيين دون اعتقال و خاصة بمدينة وجدة، و ذلك ضمن إشتغالنا بجلب البضائع منها إلى تافوغالت، و كنا نستغل هذا العمل في تسريب الجرائد و لا سيما جريدة العلم التي كانت تخضع للرقابة الإستعمارية ولبثنا هكذا ننتظر، إلى أن إتصل بنا المدعو "ميد" الذي كون منظمة فدائية بتنسيق مع منظمة محمد الزرقطوني في الدار البيضاء، و التي كان من أعضائها محمد بالبشير الفجيجي و ملال أوقاضي الفجيجي ففي البداية كان القصد هوإنتقاء عناصرموثوق في وطنيتها ومشهود لها بالشجاعة و الإقدام و نكران الذات، ثم إنشاء و توسيع مجموعات العمل الفدائي و نشره في مختلف أنحاء المغرب، و في هذا النطاق بعث محمد بالبشير، ملال إلى الحاج "بوبو" الذي كان بوجدة من أجل تأسيس منظمة فدائية، و بما أنه لم يكن يعرف أنحاء المغرب، و في هذا النطاق بعث محمد بالبشير، ملال إلى الحاج "بوبو" الذي كان بوجدة من أجل تأسيس منظمة فدائية، و بما أنه لم يكن يعرف الناس كثيرا بهذه المدينة اتصل ب "خير أحمد" المدعو "ميد" حيث أخبره بأن تعليمات أعطيت له من لدن فدائيي الدار البيضاء بشأن إنشاء منظمات فدائية بوجدة، و لهذا ينبغي له أن يتكلف بهذه المهمة و بما أن هذا الأخير كانت له علاقات و معرفة بالعناصر المخلصة في الجهة الشرقية، توفق في تكوين خلية سرية متركبة من : محمد بن الشريف، و محمد بلخضر الداودي، و المهدي درويش، ومحمدين بلخضر الداودي، و بوجمعة البرنوسي و محمد بن عبد الحق الفجيجي، و رمضان القاضي، و المنور الكشاطي، و بودلال، و بهذه العناصر تكونت أول خلية فدائية في الجهة الشرقية، ابتداء من 15 فبراير 1954، و كانت أول عملية قامت بها هذه الخلية. في 15 مارس من نفس العام. و لتوسيع العمل الفدائي في المنطقة، اتصل بنا "ميد" و اقترح مساعدتنا على نقل البضاعة من قرية أرسلان بناحية تافوغالت إلى وجدة على متن سيارته، كل هذا دون أن يخبرنا بقصده الحقيقي من هذه المساعدة. فحبذنا فكرته معتبرين ذلك في مصلحتنا. وذات يوم أخبرالسيد "ميد" أحد رفقائنا وهو امبارك الكبداني أن هناك أشخاصا يريدون جلب بضائع من مدينة الناظور، والمطلوب هومساعدتهم على إجتيازالحدود، فاستفسره عما إذا كانوا قادرين على إجتيازالجبال والغابات ليلا على أرجلهم، فأجابه كيف ما كان الحال فالمطلوب منك هومرافقتهم، فوافقه على ذلك. ثم أتى بهم مبارك الكبداني في سيارة كان يملكها ميمون الرامي، ثم ظلوا وباتوا في قرية أرسلان، ولما جن الليل رحل بهم إلى زايو حيث كان في إستقبالهم أشخاص منهم المسمى الدراز وهؤلاء الأشخاص من الذين التجاوا من المنطقة السلطانية التي كانت تحت النفوذ الفرنسي إلى المنطقة الخليفي التية كانت تحتلها فرنسا، و لما عاد مبارك الكبداني بعد أداء مهمته، أخبرني أن الأشخاص الذين قام ممرافقتهم إلى زايو ليسوا من المهربين و إنما هم من الفدائيين الذين يلاحقهم البوليس الفرنسي ثم إقترح علي تكوين منظمة فدائية للعمل معهم، فرحبت بالاقتراح و قلت له هذا ما كنت أبحث عنه منذ مدة، و أخبرته أنني سأساهم بمسدسين كانا في حوزة والدي، و به ننطلق في عملنا. و بعد ذلك تحولنا من جماعة تمارس التهريب إلى جماعة للعمل الفدائي في سبيل الوطن. و حدث أن أحد الأفراد الذين كانوا معنا في التنظيم و يسمى عبد القادر زايد، اعتقل و هو راكب على متن سيارة في ملك "ميد" الذي كان متابعا من لدن السلطات الإستعمارية، ثم أودع في سجن تافوغالت أما الأعضاء الأخرون في التنظيم و أنا منهم، فقد بقوا يستقبلون الفارين من الدارالبيضاء و يساعدونهم على اجتياز الحدود، و أذكر أيضا في هذا السياق أننا لما وصلنا إلى مدينة زايو تسلمنا من الدراز كمية من السلاح و رجعنا بها إلى مدينة وجدة و هكذا أصبحت مهمتنا هي مساعدة الفدائيين على الهروب إلى الناظور و جلب الأسلحة منها إلى وجدة. هذا قبل أن ننشئ المراكز. و ذات يوم كنت بمدينة وجدة فطلب مني "ميد" مصاحبته إلى شخص يدعى بوجمعة البرنوسي أحد أفراد التنطيم و كان له متجر في "سوق الغزل" و لما إلتقينا به في متجره أعطاني مسدسا و أخبرني أننا سنقوم بعملية فدائية، ثم توجهنا صوب المكان الذي يوجد فيه الشخص المستهدف بالعملية أوقفني و أخبرني أن المهمة صعبة، و حاولنا مرة أخرى دون جدوى لأن مرافقي كان مترددا، و في الأخير انسحبنا دون القيام بأي شيء وهنا شككت في الأمر، هل كان "ميد" يجربني أم ماذا ؟ بقيت جماعتنا على هذه الحالة نهرب الملاحقين من لدن الأمن الفرنسي إلى زايو و منها نجلب السلاح للفدائيين الذين كان يشرف عليهم "ميد" إلى أن تمكن هذا الاخير من ربط علاقة مع منظمة أخرى كان على رأسها المدعو "عبد القادر بلبشير" لكن هذه المنظمة كشفت قبل أن تقوم بأي شيء و أعتقل كل أفرادها ما عدا المدعو الصالحي محمد البوزكاوي الذي تمكن من الفرار هو و "ميد" إلى الشمال أما "ميد" فقد خلفه المدعو "المهدي درويش". و قد قمت بتهريب "ميد" و البوزكاوي حيث أوصلتهما إلى أحد المراكز الفدائية الموجود على شاطئ نهر ملوية و سلمتهما للمدعو "القاسمي محمد" ثم عدت بعد أن تأكدت من نجاتهما وبعدهما اكتشف أمرإثنين من أعضاء التنظيم وهما محمد الشريف و مصطفى بن رمضان مما اضطرهما للفرار الى الناظور، أما المدعو محمد الداودي فقد توجه الى فاس بينما قصد المدعو ميمون الرامي الجزائر، و كما تمت الإشارة إليه فقد تولى رئاسة الفرقة المدعو المهدي درويش، أما نحن الذين لم نكتشف فقد استمرنا في عملنا نهرب الملاحقين من البوليس، و نجلب السلاح من الناظور . و في نوفمبر 1954، طلب مني امبارك الكبداني التوجه إلى مدينة وجدة للإتصال برمضان القاضي، و كان إذاك مقاولا له ورشة موجودة في حي لازاري، و لم أكن أعرفه، و فعلا توجهت إليه و تقدمت إليه بإسم علي، و هو الإسم الذي عرفت به ضمن أعضاء التنظيم (الإسم الحركي) أما المهمة التي قمت بها فهي تهريب مجموعة من الفدائيين أكتشف أمرهم بالدار البيضاء، و طلب مني الإنتظا و ان لا أتصل بأي أحد إلا بواحد كان يعمل معه في الورشة، و هو محمد ابن عبدالحق بنسلام الفجيجي الذي كان عضوا في التنظيم وانتظرت إلى المساء حين أمدني بمفتاح حجرة في الورشة بعد إنصراف العاملين فيها، و أخبرني أنه ذاهب ليأتيني بطعام العشاء و لكنه لم يعد، و إنتظرت إلى الثانية عشرة، و نمت إلى الساعة السابعة صباحا و هو الوقت الذي عاد فيه العمال للعمل، و لما لم يأت صاحب الورشة تفرقوا، أما أنا فقد سألت محمدا عبد الحق عن سبب غياب رمضان القاضي، و أخبرته أنه كان سيأتيني بالعشاء و لكنه لم يفعل، و ماكان من محمد عبد الحق إلا أن أخذ متوجهة إلى الورشة حيث تم إعتقال كل من وجد فيها، و لما شاهدنا ذلك افترقنا حيث قصدت المهدي درويش و أشعرته بما وقع، بينما توجه هو إلى شخص كانت حرفته "إصلاح الدراجات". و كان رمضان القاضي يزوره أحيانا ليساعده على ضبط حسابات الورشة، أما أنا فقد توجهت برفقة المهدي درويش إلى سوق الغزل للإتصال ببوجمعة البرنوسي، ولم يكن على علم بما وقع لرمضان القاضي، حتى سمعنا الناس يتحدثون عن فدائي تناول قرصا من السم و أخذته الشرطة إلى المستشفى، فخطر ببالنا أن المعني هو محمد بن عبد الحق و هنا إتصلنا بعائشة بودلال التي كانت معنا في المنظمة، و طلبنا منها أن تمدنا بمعلومات حول ما حدث، و هذا ما قامت به حيث عادت إلينا و أخبرتنا بأن رمضان القاضي قد مات، و أن محمد بن عبد الحق خاضع لعملية إنقاذ من الموت بسبب محاولته الإنتحار لأنه تناول قرصا من السم أمام هذه الفاجعة قررنا أن نغادر المدينة خوفا من أن يعترف بنا محمد عبد الحق فنعتقل، و فعلا غادر المهدي و بوجمعة و محمد ولد الحاج السعيد حيث إلتحقوا بمركز يوجد في تافوغالت و إنتظروا إلى أن أتاهم امبارك الكبداني الذي هربهم إلى الشمال. أما أنا فقد توجهت إلى قريتي لأكون رهن الإشارة لتهريب المتورطين، أما موت رمضان القاضي فقد علمت أنه لما تركني في الحجرة توجه إلى وسط المدينة، و بينما هو مار في زقاق حمام الصابوني إلتقى بشرطي مغربي هو "رحال" فقرر قتله، و لكن عندما حاول ذلك لم يفلح لأن المسدس لم يسعفه، و عندما شعر الشرطي بذلك أطلق عليه عيارات من مسدسه فأرداه قتيلا، هذا ما جرى لرمضان القاضي رحمه الله. و ذات يوم وفد علي في منزلي بتافوغالت محمد الداودي لأساعده على الوصول إلى الناظور، لكنه استدرك فطلب مني التريث، وانتظر ما سيتمخض عنه التحقيق مع محمد بن عبد القادر، و لربما نكون في غنى عن الفرار، فوافقته على هذا الرأي، ثم عاد إلى مدينة وجدة تاركا حقيبته عندي مخبرا إياي أنه شعر بخطر، و لهذا سيعود للتوجه إلى الناظور. و كان محمد بن الراوي يشتغل عند يهودي حــرفته "رصاص" قد عاد إلى ورشته كأن شيئا لم يــــقع، و لكنه فوجئ ذات يوم بالشرطة تعتقله في مقر عمله، و ذلك بناء على إعتراف محمد بن عبد الحق بانتمائه للمنظمة، و سيق إلى مركز الشرطة، و بفرار المجموعة سابقة الذكر، و إستشهاد رمضان القاضي و اعتقال محمد الداودي لم يبق من أعضاء المنظمة بمدينة وجدة سوى عائشة بودلال والمنور الكشاطي أما امبارك الكبداني فقد جاءني بعد أن هرب الأعضاء المذكورون، و أخبرني أن أحد الفدائيين سيأتي من الدار البيضاء و المطلوب منا إستقباله في محطة القطار بالنعيمة حسب إشارات مقررة لإستقباله، و في اليوم نفسه كنت و إياه في زيارة أحد الإخوان الذي أطلق سراحه و كان الوقت ليلا و إذا بأحد أقاربه يخبرنا بأن سيارة تراقب بيت امبارك الكبداني و تحوم حوله، و لم ننتظر بل سارعنا إلى مغادرة المكان خفية. و في الصباح الباكر آتاني امبارك الكبداني إلى الدار و طلب مني إصطحابه إلى محطة النعيمة، و أخبرني أن رجال الدرك إقتحموا منزله وفتشوه، و احتجزوا ولده و زوجته و كل من وجد فيه تلك الليلة، و ذلك بغرض الحصول على معلومات حول امبارك الكبداني الذي كانت السلطة تبحث عنه و لما وصلنا إلى محطة النعيمة، و كانت الساعة الرابعة، انتظرنا حتى نزل من كنا في انتظاره في العربة، و قد إستطعنا تمييزه من بين المسافرين النازلين في هذه المحطة، و بإشارات منا و منه، تفاهمنا ثم إبتعدنا عن المحطة، و تبعنا و لما تأكدنا من خلو المكان تقدمنا إليه و عرفا بنفسه فإذا هو السالمي بوحفص الفيجيجي ، ثم قررنا المبيت في أحد البيوت الخربة، و كانت معدة لتجميع الادوات الفلاحية المستعملة، و كان البرد قارسا، و في الصباح إفترقنا على أن يعود بوحفص إلى الدارالبيضاء و امبارك الكبداني إلى المركز بقرية أرسلان، أما أنا فقد عدت إلى وجدة لتنفيد مهمة كلفت بها، و لما أنجزتها رجعت إلى قريتي حيث التقيت بامبارك الكبداني في المساء، و زودته بمعلومات حول أمور تخص منظمتنا، ثم غادر القرية متوجها للناظور و بعد عشرة أيام، عاد برفقة شخص يدعى البشير الذي كان يقطن بمحاداة ضفة نهر ملوية في المنطقة الخليفية، و لما اتصلا بي طلبا مني التوجه إلى وجدة والإتصال بالسيد ابراهيم اوكريد الذي كان متجره في طريق صفروبوجدة، ولما إتصلت به أخبرته بأن الإخوان في الناظور و منهم الحاج بوبو و "ميد" خير أحمد يطلبان منه تكوين خلية فدائية و هم مستعدون لتزويده بما يلزم من السلاح، لكنه إعتذر عن القيام بهذه المهمة مبررا إعتذاره بكون الفجيجيين القاطنين بوجدة أقلية، و هم مراقبون من لدن شرطة خاصة بعد فرار "ميد" و إن كان لابد من ذلك فاترك لي الفرصة لأتدبر الأمر عساي أجد من يقوم بهذه المهمة، و طلب مني أن أرجع إليه ليطلعني عما توصل إليه في الموضوع . و عدت إلى القرية لأخبر امبارك والبشير بموقف ابراهيم أوكريد، فعادا إلى الناظور، و بعد 15 عشرة أو عشرين يوما رجعا من الناظور و بنفس الطريقة، و طلبا منا مرة أخرى التوجه إلى وجدة والإتصال بالسيد بومديين و هو أخو بلحاج بوبو، فتوجهت إلى وجدة و سألت عن هذا الشخص، و أخبرت أنه تاجر و متجره بوجدة بطريق سيدي إدريس، و بعد بحث و مشقة وجدته فأخبرته بأنني موفد إليه من لدن أخيه بلحاج و ملال أوقاضي و ميدو أنهم يطلبون منه تأسيس خلية فدائية، و هم مستعدون لتزويده بما يلزم من السلاح، فكان رده مثل إبراهيم أوكريد، و أنه لا يزال مراقبا من طرف رجال الشرطة بسبب فرار أخيه بلحاج، ثم عدت إلى أرسلان و أخبرت امبارك و البشير بموقف بومديين، و عادا إلى الناظور. و بعد أيام جاء امبارك من الناظور، و محمد البشير "الفقيه" من الدار البيضاء برفقة ميمون الداودي و إلتقينا بالمركز في أرسلان، و كانت المهمة هي تهريب "الفقيه" إلى الناظور. و قد سلكنا به طرقا جبلية وعرة، كنت أظطر أحيانا إلى حمله على ظهري مسافة كيلومترات لأنه كان "كفيفا" من جهة، و لأن الوقت كان ليلا، و لما أوصلته إلى المركز القريب من نهر ملوية، سلمته لمن كان ينتظره ليقوده إلى الضفة الأخرى، و عدت إلى قريتي سؤال: ما أثر حلول محمد بن البشير بالناظور ؟ الجواب: كان لحلول محمد بن البشير الفجيجي بمدينة الناظور أثار إيجابية على العمل الفدائي، فقد قام بإحداث تغييرات مهمة على وضعية اللاجئين، حيث خصص لكل فئة منهم مكانا للإقامة، فلأصحاب 16 غشت مكان و للبركانيين مكان، و للمنتمين للجماعات مكان .. و قد جمع هؤلاء في مركز خاص بهم، ومنهم كون فرقا فدائية تتناوب إما على تسريب السلاح إلى وجدة، أو القيام بعمليات فدائية، أو بتهريب من إنكشف أمرهم من لدن سلطات الحماية. و كان يقود هذه المجموعات تارة امبارك الكبداني و أخرى عبد القادر زايد، و من المجموعات التي كلفت بالقيام بأعمال فدائية هي التي تشكلت من سبعة أشخاص، و قد أصيب أحدهم بعطب في رجله مما اضطر أحدهم للرجوع به إلى الناظور، أما البقية فقد عرجوا على مراكز أولاد داوود، و كانت عبارة عن مطامير للإختباء، و التي كان المقاومون يطلقون عليها اسم "فندق سيمو" و مما زاد في خطورة الوضع، أن المنطقة كانت تحت مراقبة شيخ سبق له أن كان جنديا في الجيش الفرنسي، مما حوله إلى شخص عنيد و شديد العداوة للمواطنين. و قد اقترح أحد الإخوان قتله، لكن البعض رفض نظرا لما قد ينتج عن مقتله من تشديد على المنطقة و أهلها، و بدلا من قتله اكتفي بالاحتياط منه و تجنب إذايته. و قد اضطرت المجموعة للبقاء ثلاثة أيام أو أربعة، ثم توجهت إلى العيون، و أثناء الطريق إلتقى بهم مخزني و أوقفهم مستفسرا عن هويتهم و مقصدهم، و اخبروه بأنهم يقصدون السوق لقضاء مآربهم، لكنه شك في أمرهم، و لما أحسوا بذلك قتلوه و عادوا من حيث أتوا ثم إلى الناظور. و قد كلفت بالتوجه إلى مدينة وجدة للوقوف على الحانات التي كان يلتقي فيها عناصر من الأجانب الذين يقطنون في المدينة، على أن أعود إلى المركز بقائمة هذه الحانات و مــــواقعها، و كان هذا المركـــــز هو منزل شخص يدعى بنعبوا إدريس، و فعـــلا توجهت إلى وجدة، و اطلعت على بعض الحانات خاصة تلك التي كانت موجودة في حي يطلق عليه المحلة، حيث توجد ثكنة عسكرية للجيش الفرنسي، و أغلب سكانه من اليهود الفرنسيين، و بعد ذلك رجعت إلى المركز و كان على بعد سبعة كيلومترات من وجدة، فأخبرتهم بأن هناك حانتين كبيرتين يتجمع فيهم الجنود و غيرهم من الأوروبيين إحداهما في حي يسمى "فلاج الطوبة" و الثانية "المحلة" و طلب مني امبارك الكبداني العودة إلى وجدة على أساس أن أنتظر في مكان عينه لي، و في الموعد إنتظرتهم حتى جاؤوا و توجهت بهم إلى حانة "فلاج الطوبة" و كان الوقت عشاء، فدخل بعضنا إلى الحانة بينما بقي آخرون خارجها و ذلك من باب الإحتياط، أما أنا فقد كلفت بمهمة حراستهم و مراقبة ما يحدث خارج الحانات، خاصة تجول الشرطة و دوريات الجنود التي كانت لا تتوقف في الأحياء الأوروبية. و بعد أيام دخلت مجموعة أخرى من الناظور و تتكون من خمسة أشخاص منهم خاصة امبارك الكبداني و المهدي درويش و الميلود الهمالي، و محمد ولد الشريف، و مصطفى برمضان، فوجدونا في إستقبالهم في مراكز أرسلان بتافوغالت. و لما أنهوا مهمتهم عادوا ثم توجهنا إلى مركز بنعبو ادريس الذي بتنا فيه. و في الصباح عدت إلى وجدة في حين توجه الباقون إلى أرسلان ثم الناظور بعد أن إلتحقت بهم، و لما عدت إلى وجدة علمت أن الفرنسيين قتلوا شخصين كرد فعل على ما حدث في الحانة المذكورة. و بعد خمسة عشر يوما وفد إلي امبارك الكبداني فاخبرني أن أشخاصا جاؤوا إلى مركز أرسلان، وطلبوا مني الاتصال باحميدة الملحاوي و العمراني أحمد الذي كان معروفا بأحمد الجبلي و ذلك لإشعارهم بأنهم سيتوصلون بالسلاح قريبا، و بحثت عن احميدة الملحاوي حتى وجدته، و كان له مرأب في زنقة فجيج، أما أحمد الجبلي فكنت أعرفه، كان فقيها له كتاب يدرس فيه القرآن الكريم ملاصق لجامع عقبة، و بعد الإتصال بهما عدت و أخبرت امبارك الكبداني بأنهما مستعدان، و بعد مرور عشرة أيام عادوا إلي و لديهم اثنا عشر مسدسا و ثماني قنابل، و طلبوا مني إيصالهما إلى مجموعة احميدة الملحاوي، توجهت إلى وجدة بصحبة أحد أفراد التنظيم و هو خرخش ادريس، فسلمت خمست مسدسات و أربع قنابل للملحاوي، و أربعة قنابل لأحمد العمراني، و بهذا تكونت منظمتان فدائيتان إحداهما بإشراف احميدة الملحاوي و الأخرى بإشراف أحمد العمراني و لما أطلق سراح عبد القادر زايد زارني في المنزل، و طلب مني مساعدته على الإلتحاق بامبارك الكبداني، فاعتذرت، مبررا عدم القيام بذلك لما ينجم عن مغادرة المركز من خلل في الاتصال و تحرك أعضاء التنظيم، و كل ما أستطيع القيام به هو إرشاده إلى شخص في إمكانه مساعدته على تحقيق بغيته اضافة إلى أنه إبن المنطقة و على دراية كافية بسكانها و مسالكها، فاقترحت عليه أن يذهب إلى السيد امحمد الفسيري فهو الذي سيساعده على اجتياز نهر ملوية و يسلمه للسيد البشير الذي سيتوجه به إلى الناظور، و بعد أن زودته بقدر من المال تركني و لست أدري ماذا فعل بعد ذلك. أما المنظمات الفدائية التي بوجدة فقد شرعت في انجاز بعض العمليات المستهدفة لأشخاص أو مصالح المعمرين، إضافة إلى ما كانت تقوم به جماعات "الكوموندو" من عمليات فدائية و جلب أسلحة من الناظور و تسليمها للمنظمات الفدائية و تهريب الفدائيين الملاحقين من لدن البوليس الإستعماري و هم من مختلف مناطق المغرب. سؤال: و هل كان بينكم و بين فدائيي الدار البيضاء تنسيق ؟ جواب: أجل لم نكن لنقوم بما قمنا به لولا وجود هذا التنسيق. و كذلك الأمر بالنسبة إليهم، و مما لازلت أذكره في هذا السياق أنه وفد علي ثلاثة أشخاص ماكنا نعرف هو أن إسم أحدهم عبد القادر و الأخر سالم، و الثالث محمد جبران و كان يلقب ب "الأستاذ" و رافقتهم إلى مكان يسمى "بني موسى" و ما إن وصلنا حتى أخذ المطر يهطل بغزارة فاضطرنا للإختباء بكوخ كان الفلاحون يضعون فيه أدوات عملهم. و قد لبثنا فيه ليلة و نهارا كاملين، ثم انتقلنا إلى مركز 5 الذي كان المنور الكشاطي قد خصصه كمخبأ للفدائيين النشيطين في هذه الناحية، و هو ملك لأخيه مولاي ادريس الكشاطي، و لما حللنا بالمركز تناولنا طعام العشاء و هو عبارة عن "محرشة و شاي" و في الصباح توجهت إلى مدينة وجدة على أن يلتحق بي الإخوان الأخرون و لتنفيد ما جاؤوا إلى وجدة من أجله. و في المساء انتظرتهم خارج المدينة و بالضبط في مكان إتفقنا عليه يقع على ضفة وادي الناشف، و طال انتظاري من دون أن يظهر لهم أثر ، و فجأة لاحظت كوكبة من الجنود الفرنسيين، فضطررت للإختباء في غار كان قريبا مني لحسن حظي، و بقيت داخله أنتظر دون جدوى، و هنا أخذت الشكوك تنتابني حول عدم مجيء الإخوان، و خشيت أن يطول إنتظاري إلى وقت متأخر من الليل، و قد يشك في أمري من طرف الدوريات التي كانت تمر بين الحين و الاخر، و كما ساورني شك في أنهم يكونون قد اعتقلوا، و هنا قررت مغادرة المكان، و قصدت منزل المنور الكشاطي و أخبرته بما جرى، و بت الليلة عنده. و لما حل الصباح التقيت بابن عبو الذي اخبرني أن الإخوان قد غادروا المدينة و توجهوا إلى داره التي توجد في ضواحيها و تبعد عنها بخمسة كيلومترات تقريبا، و طلبوا منه البحث عني، وقد ظنوا أنني قد اعتقلت، و هنا طلبت منه أن يعود إليهم و يطلب منهم العودة إلى المدينة، و اتفقنا على مكان الإنتظار ووقته. و لما وصلوا وجدوني فإنتظارهم، و قصدنا مركز من مراكز التنظيم كان يطلق عليه "مركز بوغرارة" و فيه باتوا و ظلوا، و في المساء قاموا بعملية بأحد طرق وجدة، و كان لا يزال يسمى"طريق الدار البيضاء" أما المستهدف بالعملية فقد كان يهوديا. ولما أنجزوا العملية غادرنا المدينة إلى مركز أرسلان، و بعد أيام جاءت مجموعة من الإخوان و هم امبارك، و سالم، و الميلود الهمالي، و محمد ولد الشريف، و طلبا مني تدبير انتقالهم إلى وجدة، و لتلبية رغبتهم قصدت احميدة الملحاوي الذي كان يملك سيارة من نوع بليمونت، و بها نقلنا المجموعة إلى وجدة حيث اعددنا لإقامتهم منزل ابراهيم السوسي، و لما حل الليل خرجنا من المنزل متوجهين إلى حي درب العربي لتنفيد عملية ضد محطة البنزين التي كان يملكها المدعو الطيب أحمد أحد عملاء الإستعمار. لكن العملية لم تصب هدفها، فقد أخطأت المستهدف، و أصابت أحد زبنائه الذي أصيب بجرح في يده. و في اليوم الموالي قاموا بعملية أخرى ضد أحد الشيوخ، و هو المدعو حداد رمضان، و بعد هذه العملية غادروا المدينة مشيا على الأقدام. متوجهين إلى أحد المراكز خارجها، و بينما هم في الطريق صادفتهم كوكبة من رجال القوات المساعدة، فأوقفتهم و سألتهم عمن يكونون، فأجابوا "نحن جنود الله" فنطق واحد من رجال الكوكبة " لا حول و لاقوة إلا بالله " و طلب منهم تغيير وجهتهم، لأن الوجهة التي يسلكونها محروسة من لدن الجنود الفرنسيين. و هكذا نجوا من الإعتقال، ووصلوا سالمين إلى مركز"أرسلان ". سؤال: مما يذكر أن المقاومين كانوا يعانون من قلة السلاح، فهل هذا صحيح ؟ جواب : حقا لم نكن نتوفر إلا على مسدسات قليلة و لم نكن نستطيع الحصول عليها إلا بعمليات سطو نقوم به ضد الشرطة الفرنسية، و لكن و لله الحمد لما ازدهرت المقاومة و ذاع صيتها إستطاع إخواننا أن يحصلوا عليها من مصر خصوصا. سؤال: مما يذكر في هذا السياق أن سفينة مصرية وصلت إلى احد الشواطئ المغربية محملة بالأسلحة، فهل لا زلت تذكر شيأ عنها ؟ جواب: كيف لا أذكرها و هي من الأمور التي ساعدت على تنشيط الجماعات الفدائية و قيامها بعمليات فدائية هزت أركان الوجود الإستعماري ببلادنا. سؤال: كيف كان ذلك ؟ جواب: ليس لدي معلومات عن تفاصيلها، و كل ما أذكره هو أن سفينة مصرية رست بشاطئ "قابو دي هاوا" "راس كبدانة " و أكتفي بذكر المهم منها، و هو أن الحكومة المصرية ارسلت سفينة محملة بالأسلحة موجهة للمقاومة المغربية و كان مقررا إرسال جزء منها إلى بلدة فجيج، و قد كلف بهذه العملية إخواننا الذين كانوا لاجئين بالناظور، و منهم امبارك الكبداني و عبد القادر زايد، و رزقي سالم، و خمليش حجاج، و محمد ولد الشريف، و مصطفى برمضان، و الميلود الهمالي، و البشير الهمالي، و محمد شعوت، و السالمي بوحفص، و أخرون لا أتذكر اسماءهم كان عددهم خمسة عشرة نفرا، أما الأسلحة فكانت متنوعة من الخماسيات إلى الرشاشات إلى الرباعيات و كمية كبيرة من الرصاص. مرت هذه الجماعة بمركز أرسلان و به باتت وظلت، و في المساء طلب مني إرشادهم إلى مركز يوجد بالبصارة، و هو مركز كان حماد بولنوار قد أطلعني عليه، و كان ضمن هذه المجموعة ملال القاضي، أما المركز فصاحبه هو "أحمد ولد محمد أو علي" و فعلا توجهت بهم إلى المركز و لم نصل إلا بعد مشقة و عناء، لأن هؤلاء الإخوة لم تكن لهم تجربة في سلوك مثل هذه الطرق الوعرة من جهة، و لأنهم كانوا يحملون أكياسا ثقيلة من السلاح من جهة أخرى ، و مما زاد في إستفحال وضعنا هو أن صعوبة نقله بهذه الحالة الى مدينة وجدة وبالظبط الى منزل المهدي درويش حيث كانت توجد امرأة تسمى رحمة الداودي التي استشهد ولدها بفاس و هو محمد الداودي و أحد أبنائها أيضا في السجن بوجدة، وصهرها المهدي درويش لاجئا في الناظور و كانت معها إحدى بناتها و هي زوجة المهدي درويش، و كانت رحمة الداودي معنا في التنظيم، و تركت ملال في هذا المنزل و عدت إلى المركز لأوافي الإخوان الذين انفصلت عنهم بسبب نقلي المريض إلى وجدة. و لما وصلت طلب مني إدريس بنعبو توفير أكياس لتعبئة السلاح فيها لنقلها إلى وجدة، و كان علي أن أعود إلى وجدة، لأتصل بالقندوسي وهو أحد أعضاء التنظيم و بأحمد العمراني"الجبلي" وكان خياطا. و سلمتها لبنعبو إدريس بعد أن عبئت الأكياس بالسلاح ، ثم نقلت إلى وجدة بواسطة شاحنة، و خبأناها في فندق أحد أعضاء التنظيم و هو بنعبوحمادة، على أن يتولى نقلها إلى فجيج كل من حيدة أحمد، و فوقلة الطيب، و بعد انتظار طويل تبين من خلال كثرة الإتصالات بهما أنهما مستعدين للقيام بهذه المهمة، و تقدر مهلة الإنتظار بشهرين تقريبا. و أمام هذا التماطل اتصل بي بنعبو إدريس و أخبرني أن السلاح إذا لم ينقل من مكانه سوف يكون يشكل بقاؤه خطرا علينا، لأن بعض الأشخاص و ضمنهم إمرأة باغية يترددون على المكان و يخشى أن ينتج عن ذلك اكتشاف أمر السلاح، و قررنا إحالة المسألة على إخواننا بالناظور الذين أوفدوا جماعة على رأسهم امبارك الكبداني لتقرير ما ينبغي عمله، و بعد دراسة المسألة تقرر إعادة السلاح إلى مركز"أرسلان" ثم تكفلت بالبحث عمن يقوم بهذه المهمة، فاتصلت بأحد أفراد التنظيم و هو لخضر مومن الذي كان يملك سيارة قادرة على نقل هذا السلاح، و قد إتخــذنا كل التدابير لتــأمين نقــله إلى المــركز دون تعرضنا لما من شأنــه أن يتسبب في و من بين الإحتياطات التي إتخذناها أن تتقدم السيارة المحملة بالسلاح سيارة أخرى لتمهيد الطريق و إحداث إشارات متفق عليها إذا ماطرأ في الطريق ما تخشى عواقبه، و قد تمت العملية بسلام حيث أعدنا السلاح إلى مركز "أرسلان" حيث كان في إنتظارنا لمجون عبد القادر. سؤال: مما ينسب إليك أنك قمت بتأسيس جماعة فدائية، كيف كان ذلك؟ جواب: فعلا بعد هذه العملية قمت بتكوين مجموعة من المقاومين و من أعضائها النكاوي محمد الذي كان يملك دكانا قرب سينما النصر حاليا، و يقوم فيه بإصلاح إطارات عجلات السيارات و من أخيه "النكاوي أحمد" و عبد الرحمان ولد الشريف، و بنزرقة إدريس، و زواد عبد القادر، و من العمليات التي نفذتها هذه المجموعة إلقاء قنبلة على شاحنة كان على متنها اللفيف الأجنبي، و قد ألحقت هذه العملية خسائر منها إرتطام الشاحنة بجدار تسبب في تعطيلها، و مقتل عدد ممن كان بها من الجنود، و قد نفذت هذه العملية بحضوري، كما قتلوا جنديا فرنسيا قرب الثكنة التي كانت قرب مصلى المدينة، و حاولوا قتل أحد الشيوخ و لكنه نجا حيث لم يصب الا بجروح طفيفة، كما قاموا بأعمال أخرى مثل بعث رسائل تهديد، و توزيع المناشير هذا ما قامت به المجموعة التي أسستها. سؤال: و ماذا عن المجموعات الأخرى ؟ جواب: أي مجموعات تعني ؟ سؤال: المجموعات التي حدثتني عنها سابقا جواب: مما أتذكره، أن الإخوان جاؤوا من الناظور، و معهم مناشير طلبوا مني توزيعها في وجدة و هذا ما فعلت، فقد توجهت بها إلى وجدة و سلمتها إلى المجموعات الفدائية التي كانت متواجدة فيها، و منها مجموعة أحمد العمراني "الجبلي" و مجموعة احميدة الملحاوي، و كنت سأبعث بكمية من هذه المناشير إلى أحد أعضاء التنظيم الذي كان مقيما في فجيج، و لكني أخبرت أنه معتقل(...). سؤال: ماذا عن الأسلحة التي أمدكم بها أحد الضباط؟ جواب: ذات يوم زارتني مجموعة من الإخوان و ضمنهم زايد عبد القادر، و فرجي التازي و محمد ولد الشريف، و رزقي سالم، و كانت مهمتهم محاولة تهريب جنود ألمانيين كانوا سجناء لدى الجيش الفرنسي بوجدة و عددهم خمسة وثلاثون، و ذلك ضمن اتفاق وقع بين ضابط ألماني مقيم بمليلية و إخواننا بالناظور بمقتضاه سلم هذا الضابط كمية من السلاح للمقاومين المغاربة، و قد كلفت مجموعة احميدة الملحاوي للقيام بهذه المهمة. و بعد البحث تبين أن جل الأسرى الألمانيين قد تم نقلهم إلى تلمسان، و لم تتمكن المجموعة إلا من تهريب ثلاثة كانوا لا يزالون محتجزين في الثكنة بوجدة، و قد تم نقلهم إلى الناظور على شاحنة كانت في ملك أحد أعضاء المجموعة و هو معمر زهير بولنوار ... و تقرر الذهاب بهم إلى مركز أرسلان كخطوة أولى للتوجه بهم إلى الناظور، وكان برفقة هذه المجموعة احميدة الملحاوي الذي كان قاصدا الناظورلمهمة تخص مجموعته ولبث هولاء الجنود ثلاثة ايام قبل ان يتم نقلهم الى الناظور و ذلك تبعا للإشارات التي كانت تأتينا من المراكز الأخرى المنبثة في الطريق المؤدية إلى الشمال، ثم سلم الجنود للضابط الألماني مقابل كمية من الأسلحة المتنوعة. مما أتذكره أيضا أن مجموعة من أعضاء التنظيم قدموا إلى مركزأرسلان و منهم امبارك الكبداني، و شعوت محمد، و الميلود الهمالي و محمد ولد الشريف و المهدي درويش و خمليش الحجاج و طلبوا مني إدخالهم إلى مدينة وجدة، أما امبارك و شعوت فقد توجها إلى ناحية العيون، و بالضبط إلى مكان يعرف ب "ثنية الشوالة" و ذلك للبحث عن عناصر يكونون منها خلية لجيش التحرير، و منهم ميمون الداودي و هو من أعضاء التنظيم السابقين، كان هذا في شهر نوفمبر 1955، في حين توجهت أنا إلى مدينة وجدة للإتيان بسيارة لخضر ولد مومن التي نقلنا الإخوان فيها، و لما دخلناها قصدنا مركزا جديدا كان يوجد بحي "أحراش" أحد أحياء المدينة العتيقة، و هو مركز كان المنور الكشاطي قد أعده كمقر للمقاومة، و كانت المرة الأولى التي عرفنا فيها هذا المركز، و بعد ذلك تذاكرنا في أمور تتعلق بشؤون المقاومة. و بعد ذلك ذهبنا لتناول طعام العشاء عند إبراهيم السوسي الذي كان يسكن في طريق "طايرات" و يعمل في منجم يسمى غار البارود قرب وادي إيسلي، و كان لا يعود من عمله إلا ليلا. و بعد تناول طعام العشاء افترقنا حيث ذهب المهدي درويش وولد الشريف إلى منزليهما، أما أنا و الحجاج و الميلود فقد بتنا في المركز، و في الصباح تناولنا الفطور الذي أعده لنا المنور الكشاطي، و بعد ذلك أخبرنا الحجاج أنه سيخرج للقيام بعملية، و طلبنا منه الإنتظار حتى يأتي الرفاق لنتعاون معه على القيام بها، و لكنه أصر على القيام بها عاجلا، وما كان لنا إلا إلانصياع لرغبته، فخرجنا من المركز هو و أنا و المنور و الميلود الهمالي وتوجه بنا المنور إلى "قيسارية عطية" التي كانت توجد في حي درب العربي قرب المكان الذي بنيت فيه سينما النصر. حيث كان أحد القواد يعقد لقاءات مع أفراد قبيلته و هي قبيلة المهايا لتلقي شكاياتهم، و كان الهدف من توجهنا إلى هذه القيسارية هو قتل هذا القائد، و لكن نظرا لكثرة الناس الذين كانوا بحضرته لم نتمكن من ذلك، فكان علينا العودة إلى المركز، وفي الوقت الذي كنا خارجين من القيسارية، فؤجئنا بتاجر ينادي بإسم الميلود، و ما كان من الحجاج إلا أن هدده بالمسدس فسقط مغشيا عليه، و مخافة من إفتضاح أمر الميلود الذي كان مطلوبا من البوليس، عدت به إلى المركز بعد أن تسلم الحجاج منه المسدس الذي كان في حوزته، فأصبح الحجاج يتوفر على مسدسين، و كنت قد طلبت منه إنتظاري في مكان قرب القيسارية، و لكن لما أوصلت الميلود إلى المركز و عدت، لم أجد الحجاج و المنور في المكان المتفق عليه و أثناء بحثي عنهما رأيت سيارة للشرطة تسير في الطريق رغم وجود لافتة تشير إلى أن المرور بها ممنوع على السيارات، كما لاحظت هرجا و مرجا قرب ساحة المغرب، و سمعت أحد الأشخاص يقول أن فدائيا قد قتل أحد الشيوخ في زنقة الصابوني، و من الأخبار التي إستقيتها أن هذا الفدائي عرج على طريق مراكش و حاول قتل أحد التجار، و لكن الرصاصة أصابت إحدى عينيه فنجا من الموت، و بعد العملية لاذ الحجاج و المنور بالفرار، و قد نجم عن إكتظاظ الشارع بالناس افتراقهما، و كان لهذا الإفتراق إنعكاس على الحجاج الذي لم يكن يعرف طرق المدينة فضل السبيل، و بينما هو في أحد الأزقة الضيقة فوجئ بالشرطة تحاصره بعد أن دلهم عليه ابن الضحية، و بعد إعتقاله سيق إلى مركز الشرطة، ولما علمت باعتقاله’ عدت إلى المركز الذي بتنا فيه و نقلت الميلود الهمالي الى مركز ميمون الداودي غير الذي كانت توجد به مجموعة فاس، و منهم عبد النبي بناني و أخوه عبد العزيز، و بنزاكور، و آخر لا أتذكر إسمه عدنا إلى المركز حيث كانت توجد بعض المعدات كالديناميت و البارود، و بعد أن جمعتها في صندوق ذهبت بها إلى دكان أحد التجار كان المنور الكشاطي قد دلني عليه و أخبرني أنه رهن إشارة التنظيم كلما دعت الضرورة إلى ذلك ، و فعلا تسلم الصندوق دون خوف أو تردد، و بعد ذلك سمعت أن الشرطة ألقت القبض على حماد بولنوار، و احميدة الملحاوي و الورطاسي الحاج، و في الحين هرعت إلى المركز حيث كان يقيم الإخوان الوافدون علينا من فاس لأطلب منهم مغادرته حتى لا يتعرضوا للإعتقال، و بقيت في حيرة لا أدري ماذا أفعل. و هنا تذكرت أحد الوطنيين و هو المالكي أحمد أخو ميمون الهري، و كنت أتصل به و أتحدث معه في شأن المقاومة دون أن أكشف له عن إنتمائي للتنظيم و كنت أستدرجه حتى أتأكد من إستعداده، و كانت الفرصة عندما أخبرني محمد خرباش بأن أمرا من قيادة جيش التحرير، يقضي بتكوين مجموعات من المخلصين للإنخراط في جيش التحرير حيث قصدته و كان دكانه في قيسارية عبد الله بـــــن عمــــر، و أشرت إليه أن يخرج من الدكان، و لما فعل ذلك أخبرته بأن الوقت قد حل لتلبية رغبته في المشاركة في العمل الفدائي فرحب بالفكرة، و عاد إلى الدكان، و بعد لحظة خرج و معه ميمون الهري، و رافقتهما ليدلاني على سكناهما الذي كان موجود في طريق الرياض في أحد البساتين، و من ثم توجهت إلى طريق طايرات الذي كان فيه مركز التنظيم، و هو في ملك المدعو ميمون الودغيري الذي يتجمع فيه أعضاء التنظيم و خاصة القادمون من فاس .. و بعد أن تقرر إبعادهم عن المقر لكي لا تدهمه الشرطة فتعتقل من فيه، أخذت أخرجهم منه أربعة أربعة فأتوجه بهم إلى منزل ميمون الهري المذكور، و من حسن الحظ أن الشرطة لم تداهم المقر إلا بعد أن أخليناه من جميع أعضاء التنظيم بمن فيهم صاحب المقر. بتنا ليلة عند ميمون الهري و أخيه أحمد و ظللنا فيه إلى المساء حتى تمكنا من توفير شاحنتين لنقل الإخوان إلى مركز أرسلان، و قد طلبت تعيين مكان انتظار الشاحنتين و نقل المراد تهريبهم إليه سيرا على الأقدام أربعة أربعة غير بعيدين عن بعضهم البعض، حتى لا يضلوا الطريق لأنهم كانوا غرباء عن المدينة لا يعرفون مسالكها، و لا المكان الذي سينتقلون منه بالشاحنتين. ركبنا الشاحنتين حتى قربنا من مخرج المدينة، و لما لاحظنا أن الشرطة قد أقامت حواجز في هذا المخرج، و تقوم بعملية تفتيش الخارجين منها و الداخلين، قررنا النزول من الشاحنتين و عبور واد الناشف على الأقدام و على أساس أن تخرج الشاحنتان و تنتظراننا في مكان تم الإتفاق عليه و كان الوقت ليلا. و هكذا تمكنا من الوصول إلى قرية النعيمة، و منها إلى مركز أرسلان حيث قمنا بتوزيع الأعضاء على مراكز اخرى في نفس المنطقة’ و كانوا أربعة و عشرين نفرا. حيث خصصنا لهم دار لمجون عبد القادر بواد بصري، خصصنا لهم مركزا جديدا تمكنا من إعداده في حينه. ثم توجهنا إلى مركز آخر يوجد بمكان لصاحبه مومن سالم اعراب، و به قضينا ليلتنا. و في الصباح جاء من يخبرني أن سيارة للشرطة و شاحنة للجنود توجد قرب منزلنا الذي كان يبعد عن المنزل الذي أوجد فيه بثلاثة كيلومترات، و قد تبين لي فيما بعد أن حماد زهير هو الذي اعترف بأننا نتخذ من هذا المنزل مقرا نضع فيه معداتنا و نستقبل فيه المقاومين الهاربين من مختلف مناطق البلاد، و شاهدنا من بعيد كيف اقتحمت الشرطة و الجنود المنزل و فتشوه، و بعد ذلك أخذوا معهم أخي الصغير إلى مركز الأمن. و في المساء التقينا بامبارك الكبداني في مسجد يوجد في "خرخشات" أسفل الجبل، و من ثم توجهنا إلى أرسلان العليا، حيث التقينا بعبد القادر زايد، و رزقي سالم و مصطفى ابن رمضان الذين قدموا من الناظور، ليطلعو على ما جرى لأعضاء تنظيمنا، و قد أخبرونا أنهم قطعوا المسافة بين الناظور و المركز مشيا على الأقدام، و توزعنا على بعض المنازل حتى لا نثير انتباه أحد.... و في المساء إنتقلنا إلى مركز آخر يوجد في قرية "فاسير" و كان يبعد عن المركز الذي غادرناه بعشرة كيلومترات تقريبا، و ضللنا فيه حتى المساء فغادرناه متوجهين صوب نهر ملوية الذي عبرناه و على ظهورنا الإخوان "الفاسيين" لأنهم لم يألفوا عبور الأنهار و لا تحمل المشاق و المتاعب و لبثنا في الناظور كلاجئين إلى أن شرع اللاجئون يعودون إلى مدنهم في المنطقة السلطانية كوجدة و فاس، أما أنا فقعدت برفقة احد الاجئين و يسمى ابن زرقة الهبري و في حوزتنا عدة رشاشات و كمية من الرصاص و قد قطعنا المسافة بين الناظور و قريتنا مشيا على الأقدام. و بعد ايام توجهت إلى وجدة و فيها اتصل بي شخص كان من رجال القوات المساعدة و يسمى الشاوش لحسن. و مما أسجله لهذا الشخص أن حاكم تافوغالت كلفه بمواجهة متظاهري 17 غشت 1953 التي سبق ان اشارت اليها، فرفض قائلا: لايمكنني لان سكان منطقة بني يزناسن كلهم وطنيون و يطالبون باستقلال بلادهم، فتم سجنه و بما أنه كان قد حاز على "وسام عسكري" لمشاركته في حرب الفيتنام، فإنه لم يمكث في الحبس إلا شهرا ثم أطلق سراحه، و لكنه فصل عن عمله، و بقي إلى أن استعاد المغرب استقلاله، و لما إتصل بي اخبرني أنه قد كون جماعة من المتطوعين و يتوفرون على كمية من الاسلحة لاباس بها، وهم مستعدون للانخراط في جيش التحرير، فلم اتردد في قبول طلبه لانني كنت على يقين من اخلاصه، و بعد إستشارة الحجاج بوبو وموافقته جئت به إليه و استقبله و توجهت و إياه و معنا أحد أعضاء التنظيم و هو من فجيج و يسمى محمد اعمارة الذي كان يعرف بإسم "ساعة" و مما أتذكره في الموضوع أننا سافرنا إلى فاس و منها إلى صفرو و ميسور ثم إلى تالسينت. و قد وجدنا صعوبة بالغة في شق الطريق للحافلة لتراكم الثلوج في تلك المنطقة، و لما وصلنا إلى تالسينت و كانت عبارة عن مبان من الطين و حولها خيام متناثرة يسكنها البدو الرحل، و كانت أول مهمة قمنا بها هي جمع ماكان يتوفر عليه سكان هذه الخيام من اسلحة’ و تمكنا من تكوين فرقة مسلحة من ثلاثة عشرة شخصا، و لما إنتهينا من هذه المهمة عدنا إلى وجدة و معنا شخص يسمى "محمد أوحمو" و هو أحد المغاربة الذين كانوا يحتلون مرتبة عالية في الجيش الفرنسي، و اتصلنا ببلحاج بوبو و أطلعناه على ما قمنا به في تالسينت.. و بناء على ذلك طلب منا إحضار الأسلحة التي كانت بحوزتنا و التي أودعناها في مركز "أرسلان" و أخبرناه بأن كمية منها قد سلمت لكل من امبارك و شعوت و زايد الذين وزعوها على فرق من جيش التحرير التي كانت منتشرة في عدة مناطق من شرق المغرب مثل "تكافايت" و تيولي، و برجنت (عين بني مطهر حاليا) و فجيج، و كذا في قبيلة ادراوش التي كانت بها فرقة يرأسها ميمون الداودي، و ما بقي من تلك ألأسلحة و المعدات و الألبسة قمنا بشحنها في سيارة محمد علي أو مومن أحد أعضاء التنظيم بوجدة و نقلناها إلى فجيج مصحوبين بأحد أبناء البلدة و هو عثمان أوقادي .. و لم تكن رحلتنا بهذه الأسلحة و المعدات دون مشاق و متاعب، فقد اضطررنا لقطع المسافة بين وجدة و تالسينت عبر هضبات و نجود و جبال و منعرجات و عقبات و أودية و مسالك وعرة. لاقينا خلالها صعوبات كلفتنا كثيرا من المعاناة و تطلبت منا لزوم الحيطة و الحذر مما يطرأ من مفاجأت لأن المنطقة كانت تحت مراقبة الجيش الفرنسي لوجودها قرب الحدود الجزائرية التي لم تزل إذاك خاضعة للإستعمار الفرنسي، و مما أتذكره في هذا الصدد أننا و نحن متوجهون إلى فجيج مررنا على جرادة، قرية معتركة، و منها قصدنا "تالسينت" و كان هدفنا من التعريج عليها هو أن نشتري ما نحتاجه من المعز، و بعد أن بتنا بها و ظللنا النهار كله غادرناها و بصحبتنا مجموعة من المجندين الذين كنا قد أخبرناهم بالإنضمام إلى جيش التحرير الذي كان متواجدا بالناحية و التمركز ببلدة فجيج. و قبل مغادرتنا تالسينت تمكن الشاوش لحسن من استقطاب ثلاثة عناصر مغاربة كانوا ضمن الجنود الفرنسيين المتواجدين في ثكنة عسكرية بجوار قرية "تالسينت" و قد إنضموا إلينا و في حوزتهم أسلحتهم، و في الطريق لاحظ بعض من كان على متن الشاحنة انوارا تصدر من سيارة كانت وراءنا فأشعرونا بذلك و طلبنا من السائق أن يحيد عن الطريق و يبتعد عنها، ففعل و أطفأ انوار الشاحنة حتى يختفي أثرنا عنها، و هكذا إلى أن إبتعدت، و بعد ذلك توجهت صوب "تالسينت" و أما نحن فقد عدنا إلى الطريق و قصدنا أحد الجبال و هو قريب من قرية"المنكوب" حيث تركنا هناك المجموعة التي جندناها للإنضمام إلى جيش التحرير، و تابعنا سيرنا نحو الحدود المغربية الجزائرية، إلى أن وصلنا إلى قرية "بوعرفة" التي نمنا بها ليلة، و قد علمت فيما بعد أن المجموعة المذكورة بقيت في الجبل إلى أن تم نقلها إلى فجيج لتنضم إلى المجموعات التي كانت متمركزة فيها .. ثم عدت إلى وجدة و اتصلت ببلحاج بوبو و اخبرته بما قمنا به بتفصيل انا و محمد أوعلي و كلفنا بمهمة السفر إلى فاس لنتصل بابراهيم السوسي ليسلمنا كمية السلاح التي كانت في حوزته و العودة بها إلى وجدة، و عندما اتصلنا به أخبرنا أن الأسلحة توجد بمكناس. و عندما ذهبنا إلى مكناس لم نجد من هذه الأسلحة التي كان المطلوب منا تسلمها إلا القليل، و عدنا بها إلى وجدة. و بعد أن إنتهيت من هذه المهمة انضممت إلى الهيأة التي كانت مكلفة بمراقبة مراكز جيش التحرير التي كانت موجودة في "تكافايت" و "تيولي" و "برجنت" و هكذا إلى أن طلب مني بلحاج بوبو أن أنضم إلى مجموعة كان من جملة أعضائها ميري بلهاشمي، و كانت هذه المجموعة مكلفة بمواجهة بعض العناصر التي إستغلت الفوضى الناتجة عن غياب السلطة في بداية الإستقلال، و كانت تدعي أنها تنظيمات فدائية و تطالب التجار بمدها بالمال تحت طائلة التهديد بالقتل .. و قد إنتشر أفراد هذه المجموعة في أحياء المدينة لمحاربة هذه العناصر و وضع حد للفوضى و النهب و الإعتداء